إضاءة للتاريخ - رجل تعددت أدواره وبقي أثره
ثمة شخصيات يتجاوز الحديث عنها حدود الذات ليمثل بعداً من أبعاد التاريخ الإنساني والوطني، وتكمن أهمية الحديث عنها وحولها باعتبارها جزء من تاريخ الوطن وذاكرة تؤرخ لمرحلة زمنية مهمة لتتحول إلى مصدر إثراءٍ وإلهامٍ للأجيال المقبلة.
ولعل شخصية الفقيد السعيد الحاج عبد الله بن معتوق القديحي الذي أنتقل الى رحمة الله في يوم الخميس 27 جمادى الآخر 1447 مصداقاً واضحاً وجلياً لهذه الشريحة التي تستحق الإضاءة والتوقف عندها لاعتبارات كثيرة ومهمة.
فقد رحل رحمه الله من هذه الدنيا بعد أن أفنى سنيين حياته مكافِحاً، في زمنٍ لم تكن الطرق فيه ممهدة، والفرص متاحة للجميع.
تعلّم وثابر في سبيل العلم والمعرفة واختار مساراً أحبّه وآمن به رسالة قبل أن تكون مهنةً وحرفةً يتكسب من ورائها.
التحق المرحوم بالمعهد الصحي بصفوى ليكون أحد خريجيه في الدفعة الأولى التي أنهت متطلبات الدراسة في تخصص ”صيدلي مساعد“ عام 1972 م، ليسجلأ أسمه مع زميله المرحوم الحاج علي أوال في قائمة أول الممارسين لهذه المهنة على مستوى جزيرة تاروت في فترة كان العلم يُنال بالمثابرة لا بالمصادفة.
آنذاك كان الصيدلي يقوم بمهام طبيب ومرشد صحي يحمل على عاتقه نشر الوعي الصحي بين أبناء بلدته فكان الناس يلقبونه ب «الدكتور» ليس على سبيل اللقب الأكاديمي فحسب، بل تشريفًا لمكانته ودوره.
فكان المطبّب وحامل الرسالة الطبية والإنسانية في آنٍ واحد، ولم يكن دوره مقتصرًا على صرف الدواء وإنما تجاوزهُ ليمثل مصدرثقة، وملجئاً للمرضى، وركنًا من أركان المجتمع فجمع بين العلم والأخلاق، وبين المعرفة والرحمة.
ولأن طموحه العلمي وشغفه المهني كان السمة البارزةً في شخصيته الوثابة، فقد خاض فقيدنا المرحوم الوجيه أبا محمد أكثر من مجالٍ مهني فعمل في مجال البناء، وتجارة مواد ومستلزمات البناء فأسس مؤسسة قصر تاروت للمقاولات الانشائية فساهم في تطور النهضة العمرانية الحديثة كأحد المقاولين الذين تركوا بصمة بارزةً في هذا المجال فحظي بثقة عالية بين اصدقائه وعارفيه ليكون احد اكثر المقاولين الذين كان لهم نصيب الأسد في تشييد الكثير من المنازل والمشاريع التجارية والاستثماريّة داخل جزيرة تاروت وخارجها.
كما خاض في فترة متأخرة من مسيرته المهنية غمار القانون محاميًا، مدفوعًا بإيمانه بالعدالة وحق الإنسان في الدفاع والإنصاف، مؤمنًا بأن العمل شراكة في بناء المجتمع، وأن النجاح الحقيقي هو ما يترك أثرًا نافعًا للناس.
وفضلا عن ذلك فقد كان صاحب كلمة مسموعة في حل القضايا الاجتماعية واصلاح ذات البين، كما أمتد عطاؤه في خدمة أهالي بلدته، فكان حاضرًا في الشدائد قبل الرخاء، حتى عُرف بينهم ب «رجل الفزعة» وصاحب المهمّات الصعبة.
لم يكن الفقيد السعيد ينتظر منصباً أو مكسبًا من وراء ذلك، بل كان يتحرّك بدافع المسؤولية والانتماء، يسعى في قضاء حوائج الناس، ويقف إلى جانب المظلوم، ويجمع الكلمة عند الخلاف.
هكذا تتجسد سيرة رجل لم يعرف الاكتفاء بدورٍ واحد، فجمع بين العلم والقانون، وبين المهنة والإنسانية، وبين السعي الشخصي والخدمة العامة، فبقي ذكره حيًا في الذاكرة.
جديرٌ بالذكر، إن المرحوم كان شخصية عصامية، وعلى صلة قرابة مع عدد من الأسر العلمية المعروفة بجزيرة تاروت.![]()
وقد وفق الأخ الصديق الكاتب والصحافي المتميز الاستاذ سلمان محمد العيد لإجراء مقابلة مع المرحوم قبل عدة سنوات ونشرت في مجلة الخط وقتها، وثق من خلاله سيرة ومسيرة الرجل الصالح، وقد نجح بحسه الأدبي الراقي بتحويلها إلى رواية أدبية تحت عنوان «التاروتي والسبع صنايع» نالت رضى وإستحسان صاحبها وبطلها في حياته، كما هو أعجاب وتقدير قراءها الأعزاء.
رحم الله الفقيد المؤمن الطيب بواسع رحمته وأسكنه الفسيح من جناته، وجعل الله قبره نوراً ورحمة، وروضة من رياض الجنة، أنه سميع مجيب الدعوات.






